ينتمي آل شمص الى قبيلة مدحج اليمنية التي قدمت لبنان إبّان الفتح العربي في القرن الثاني عشر.

سكن الجد الأول جبيل وكسروان برفقة عشائر الحمادية. ثم انتقل الأحفاد الى بعلبك والهرمل إثر الاشتباكات التي جرت بينهم وبين إبراهيم باشا.

عملوا في الزراعة ومارسوا مختلف النشاطات التجارية والاجتماعية والإنسانية فحلقوا بها.

ناهضوا الاستعمار والانتداب الجاثمين على أرضنا في النصف الأول من هذا القرن (القرن العشرين).. وقدّموا شبابهم فداء للبنان المرتجى.

لا يختلف اثنان ان الأسر اللبنانية العريقة بانتماءاتها ومعتقداتها تشكل ركيزة أساسية في ركائز بناء الوطن الواحد الموحد، وذلك على قاعدة المصير المشترك وطنياً وقوميا، والحرص على مصلحة لبنان العليا.

أسرة آل شمص، برجالها ونسائها هم جملة الذين أعطوا أرض جبيل بعلبك والهرمل بلا حدود، وحسبهم انهم أحد الرموز العشائرية التي غيّرت المفهوم “الجردي” السائد سابقا الى تمدن حضاري مميز.

“مشوار” تتابع فتح ملف عيل لبنان، فتستضيف عينة شمص في محطة تراثية، تترجم جزءا من تاريخها الحافل بالدروس والعبر.

أصلهم وفصلهم

تؤكد بعض المرويات التاريخية نقلاً عن أمهات المصادر العربية ان أسرة آل شمص قدمت من اليمن كونها من احدى القبائل العربية المسماة “مدحج” الى فتوح كسروان وأعالي جبيل في القرن الثاني عشر مع الفتح العربي حيث كوّنوا مع آل حمادة، ودندش، وعلام، وناصر الدين، وعلاء الدين النواة الرئيسية لعشائر الحمادية هناك..

وفي العهد العثماني جرت اضطرابات امنية بين السلطة التركية وبعض العائلات الجبيلية المتعاون مع آل الخازن فاضطر بعض الأجداد من أسرة آل شمص الى مغادرة المنطقة والتوجه الى بعلبك والهرمل، وذلك في عهد إبراهيم باشا، مكونين مع سائر الأسر حلفاً عشائرياً له قوانينه الخاصة به.. ومع مرور الزمن “الشمصيون” بدا هذا الحلف يخبو نوره شيئاً فشيئاً ليحل محله الولاء للأرض والإنسان في هذه البقاع اللبنانية.

أما عن التسمية ب “شمص” فلم تذكر هذه المرويات أية توضيحات بلسانها، إلا ان اللغويين يرون التسمية اشتقاقاً من كلمة شمس، وحيث ان السين والصاد حرفان أسليان أي أنهما يخرجان من أسلة اللسان فانهما اخوان..

مهما يكن من أمر فآل شمص لم يغيبوا عن الساحة الوطنية فناهضوا الاستعمار العثماني والانتداب الفرنسي، وقمعوا كل عدو عميل للبلاد والعباد.

ومن ميزات هذه الأسرة احتلالها مركز المختارية في “مشان” بجبيل، وبوداي وشعت وزبود وحربتا واللبوة في كل من بعلبك والهرمل… فكان أبرز مخاتير هذه البلدات حسين الحاج يوسف شمص (الهرمل)، إبراهيم الحاج سليمان شمص (الهرمل)، عباس شمص (بوداي)، محمد حسين شمص (الهرمل)، محمد رشيد شمص (شعت).

من ناحية أخرى، لابد أن نشير الى انهم عملوا في مختلف الحقول ولا سيما زراعة القمح والبطاطا والشعير والذرة والأشجار المثمرة فكانوا السباقين في إنماء واستنهاض الزراعة الوطنية.. وما مشاتل “شمص” في الشياح التي لا تقدر بمال إلا دليل على ما ذهبنا إليه.

كانوا فأصبحوا

ذكرنا آنفاً، أن آل شمص هم عشائريون، وان للعشائر نظمها ومبادئها، بل قد يكون لها سلبياتها وإيجابياتها.. فالثأر مثلاً عرفه الشمصيون الأوائل حفاظاً على شرف العائلة وسمعتها، بحيث لا يمحي العار إلا الثأر والنيل ممن اعتدى على كرامة أي فرد من الافراد دون رادع سلطوي او رسمي او وازع..

ومع تعاقب السنين والشهور والأيام بدأت العائلة تنظر الى مختلف الأمور الشخصية والاجتماعية وحتى الوطنية من منطلق الولاء للشرعية الحقة التي لا تميز ولا تفرق بين واحد وآخر في الحقوق والواجبات..

وما دامت السلطة تقتص من المجرمين والمذنبين فقفزوا من مفهوم العشائرية القديم الى حضارية متمدنة جديدة.. فاتسعت دائرة نشاطاتهم علمياً وعملياً في شتى الأصعدة الحياتية.. فألمّوا بكل العلوم، وأتقنوا كل الفنون سعياً وراء نهضة أسرية تتجاوز الاقليميات والمحدوديات.. فانتفض منهم التجار الأكفاء وخصوصاً الحاج محمد شمص وأولاده هاشم ومصطفى وهاني وحسن واحمد مالئين ساحات بعلبك بتجاراتهم واخلاصهم.

انبرى الى الساحة الإدارية علي شمص نجل مدير احدى النواحي في الدولة التركية- محتلاً منصب قائمقام راشيا الوادي- والذي خوّله رصيده الشعبي البقاعي ان يترشح الى النيابة مرتين خلال عامي 1968-1972.

أما المهندس نزار شمص فشغل منصباً رسمياً في السلك الخارجي مع حسين شمص.

ومن أطبائهم نذكر الدكاترة يوسف شمص (أمراض نسائية)، عبد المجيد شمص (أمراض صدرية)، قريش شمص (صحة عامة).

وبرز من مهندسيهم: المهندس مالك شمص (عضو مجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية)، ومنير شمص (كهرباء عامة) فضلاً عن منير، وحسين واديب يوسف شمص.

ولم ينس آل شمص جيشهم المفدى فقدموا له خيرة شبابهم ضباطاً ورتباء وجنوداً.. وحسبنا ان نذكر الشهيد الطيار النقيب عبد الله شمص الذي نال الأوسمة الرفيعة من الرئيس السابق سليمان فرنجية وقادة الجيش اللبناني تقديراً على براعته في حقل الطيران..

ونذكر من ضباطهم الاختصاصيين أيضاً: النقيب المهندس غسان شمص، والنقيب المهندس ماجد شمص..

وعندما نتحدث عن موهوبي هذه العائلة الكريمة يطالعنا اسم الفنان الكبير سمير شمص الذي ما فتئ يعطي للتمثيل في لبنان كل جهده وكفاءته واخلاصه.

ومن محامييهم وتربوييهم المحامي نبيل يوسف شمص، والأساتذة التربويون مالك شمص ورامز شمص وحسن شمص وحمزة شمص..

اما المرأة الشمصية فقد شكلت النصف الثاني الفعلي للرجل، فلم تغب عن الساحة العملية سواء في الحقل التربوي ام الحقل الصحفي، ناهيك عن سائر الحقول الاجتماعية الأخرى.. فلمعت المربية فاطمة شمص في حقل الإدارة المدرسية وإيمان شمص واكرام شمص في حقل الصحافة السياسية المحلية، وزينب شمص في حقل الخدمات الاجتماعية والإنسانية.

هذه عائلة شمص باختصار شديد خلية- جبيلية بقاعية معطاء انضوت مع اخواتها من الخلايا الأسرية العريقة لتأخذ موقعها في سيرة نهضة الوطن والمواطن..

وعذراً عن محدودية المعلومات نظراً لعدم توافر المعلومات المستفيضة لدينا ولدى أصحاب الشأن أنفسهم..

جمال ميقاتي- مجلة مشوار – السنة الخامسة – العدد 211 -27- تشرين الثاني- 1982.