تصل إلى منطقة #الهرمل فيطلّ عليك من بعيد نصب تذكاري مميز بهندسته، يُطلَق عليه اسم #قاموع الهرمل.

كثُرت الاعتقادات حول تاريخ هذا النصب القديم واستخدامه. فالروايات المحلّية تتحدث عن أنّ أحد الأمراء الفرس صرعه خنزير بريّ في المنطقة خلال رحلة صيد. وتكريماً لذكراه، أمر والده ببناء ضريح له عند أعلى نقطة من السهل، فأقيم فوق الضريح عَمود هرميّ يحمل نقوشاً ترمز الى الحادثة الأليمة.

وهناك روايات أخرى تشير إلى أنّ النصب شُيّد فوق قبر ملك روماني كان يُدعى “هرمليوس”، ويُقال بأنّ منطقة الهرمل سُميت نسبة له.

ويرجّح بعض علماء الآثار، أنّ النصب شُيِّد عام 175 قبل الميلاد في عهد الحاكم الروماني أليكسندر مانو.

يتميز هذا القاموع بتصميمه الجميل والمتناسق. فهو كتلة واحدة خالية من أيّ باب أو نافذة. يتألف المبنى من قاعدة مكوّنة من ثلاث طبقات من الرخام الأسود، ترتفع فوقها ثلاثة طوابق.

يعدّ الطابق السفلي الأجمل بينها، إذ تزيّنه نقوش مشاهد صيد. أما الطابق الوسطي فهو مزخرف بأعمدة مستطيلة ذات تيجان أيونية ملاصقة للجدار، يعلوه طابق ثالث يحمل الشكل الهرمي.

بالرغم من حالة النصب والكتابات الحديثة التي تغطي معالمه، لا تزال معظم النقوش واضحة وبارزة، بحيث يسهل رؤية تفاصيلها. هذه النقوش تمثّل صوراً ووجوهاً لبعض الملوك، بالإضافة إلى مشاهد صيد وحيوانات مختلفة.  

فمن الجهة الشرقية تظهر نقوش تمثل خنزيراً برياً مطعوناً بثلاثة رماح يهاجمه كلبا حراسة، وعلى الكَلبين يمكن رؤية أسطوانات محاطة بحبال أو مجموعة من الأقراص المدوّرة.

أما على الجهة الشمالية، فيظهر نقش آخر لغزالين يقفان على لوحة يبدو تحتها رمحان يعلوهما فخّ، وُضع تحت كل غزال أسطوانة. وفي الجهة الغربية من النصب، يوجد نقش لثور كبير يهاجمه ذئبان خلفهما رماح وحبال. أما في الجهة الجنوبية، وهي الأكثر تشوّهاً فيظهر مشهد لأنثى دبّ تحمي صغارها.

واللافت بين كلّ هذه المشاهد المنقوشة على الهرم، خلوّها من أيّ آثار أو نقش للصيادين، فقد استُبدلوا بمعدّات الصيد كالرماح والأقواس والعصيّ الحديدية.

أما الجزء الثاني من القاموع فيتألف من ثمانية مداميك. وتبرز من كلّ جهة أربعة أعمدة ملتصقة وبارزة، تعلو هذه الأعمدة تيجان أيونية الطراز وكورنيش مؤلف من عدّة أضلاع متساوية وبارزة. الجزء الأعلى من القاموع، يعلوه هرم يبلغ ارتفاعه 3 أمتار تقريباً بشكل يبدو كأنه رأس المسلّة.

قد يكون الدافع الرئيسي لبناء القاموع في هذه النقطة بالتحديد، أهدافاً استراتيجية وعسكرية. فلعلّ الهدف من بناء القاموع على رأس التلّ الذي يشرف على سائر المنطقة هو مراقبة الجيوش التي قد تغزو المنطقة، بالإضافة الى مراقبة القوافل التجارية والعسكرية، التي كانت تصل من مدينة جبيل مروراً بفقرا وبعلبك واللبوة ثم الهرمل وحمص ومملكة تدمر.

يتميّز القاموع بموقعه المشرف على المنطقة بأكملها من جهاته الأربع. فالواجهة الجنوبية تتجه بشكل مباشر نحو بعلبك، والواجهة الشمالية نحو حمص ومملكة تدمر. أما الغربية فمواجهة لسلسلة جبال لبنان الغربية التي تؤدي الى البحر، والواجهة الشرقية تطلّ على سلسلة الجبال الشرقية، حيث تقع قنوات المياه التي كانت تغذّي قديماً مملكة تدمر.

كانت تحيط بالقاموع سهول القمح التي كانت تغذّي الجيوش الرومانية، والتي كان يُطلق عليها تسمية أهراء روما. وكانت تعيش في المنطقة أعداد كبيرة من الغزلان، وهذا ما توثّقه رسوم الصيد المنقوشة على جوانب القاموع.

تشير بعض المراجع الى أنّ الدولة الفرنسية، خلال فترة انتدابها لبنان عام 1927، أمرت بفتح القاموع لاكتشاف ما يخبئه من أسرار. فقد كانت تعتقد حينها أنه يحتوي على كنوز وأمتعة وأسلحة تعود إلى الحقبة الفارسية. وأعاد علماء الآثار الفرنسيون ترميم المبنى عام 1931، مستخدمين حجارة بركانية سوداء ما زالت ظاهرة حتى اليوم، وهي تبدو مختلفة تماماً عن حجارته الكلسية القديمة.

المصدر: جريدة النهار